يعتبر عباس عراقجي من أبرز الشخصيات السياسية والدبلوماسية في الجمهورية الإسلامية، والذي يشتهر بدوره الكبير في المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن كونه شخصية محورية في السياسة الخارجية الإيرانية. تمتد مسيرته السياسية والدبلوماسية لعقود طويلة، وقد شهدت حياته العديد من المحطات الهامة التي أثرت في تشكيل موقفه السياسي وتوجهاته الدبلوماسية.
ولعل من أبرز الصفات التي يتميز فيها الوزير عراقجي والتي جعلت منه خيار قيادة الجمهورية الإسلامية للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، هي ما أشار إليها عراقجي نفسه في كتابه الجديد "قوة التفاوض" حيث قال: "أثناء التفاوض قدمت السيدة شيرمان إيضاحات كثيرة حول أحد المواضيع الصغيرة التي كانت متبقية، وقالت لي: أتوافق؟ قلت: "نعم، ولكن هناك نقطة صغيرة". هذه العبارة نعم، ولكن... التي كثيرا ما كانت تقال من جانبنا، كانت تربك الطرف الآخر وتتعبه. إذ كنا أحيانا نتفاوض أياما وساعات حول جزء ولكن.... هذا، والذي كان جزءا فرعنا للموضوع. لكن هذه المرة لم تعد السيدة شيرمان تتحمل، وغضبت وانهارت دموعها بشكل لا إرادي. وكانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها مفاوضا يبكي أثناء المفاوضات".
والسيدة المقصودة هي ويندي شيرمان، وكيلة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السابقة، التي شاركت في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه عام 2015.
وعليه قد تكون تبكي قوة المفاوض الإيراني
فما هي أبرز المعلومات حول سيرة عراقجي، ولماذا تم اختياره لقيادة الفريق التفاوضي الإيراني مع أمريكا؟
_من مواليد العام 1960 في طهران، ويعود أصله إلى أسرة من الطبقة الوسطى.
_في وقت مبكر من حياته، إهتم عراقجي بالشؤون السياسية، وكانت الظروف السياسية التي عاشتها إيران خلال فترة السبعينيات، لاسيما خلال الثورة الإسلامية قد أثرت بشكل كبير على تشكيل وعيه السياسي.
_بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، بدأ في دراسة البكالوريوس في العلاقات الدولية من كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية، وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة آزاد الإسلامية، ودرجة الدكتوراه في الفكر السياسي من جامعة كينت البريطانية.
_ خلال حرب الدفاع المقدس، كان عضوًا في حرس الثورة الإسلامية.
عمله في السلك الدبلوماسي
_بدأ مسيرته في السلك الدبلوماسي في العام 1989، حيث بدأ العمل في وزارة الخارجية الإيرانية وتولى عدة مهام دبلوماسية في الداخل والخارج، أبرزها:
1)منصب القائم بالأعمال في البعثة الدائمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، ومقرها جدة في السعودية (بين الأعوام 1992 و1997).
2)مدير مركز دراسات الخليج الفارسي في مكتب الدراسات السياسية والدولية (1997-1998).
3)رئيس تحرير مجلة السياسة الخارجية في مكتب الدراسات السياسية والدولية (1998).
4)المدير العام لمكتب الدراسات السياسية والدولية (1998 – 1999).
5)سفير إيراني مُتزامن لدى إستونيا (1999-2003).
6)سفير إيران لدى فنلندا(1999-2003).
7)مدير الإدارة الأولى لأوروبا الغربية، وزارة الخارجية(2003-2004).
8)عميد كلية العلاقات الدولية(2004-2005).
9)نائب وزير الشؤون القانونية والدولية (2005-2007).
10)سفير إيران لدى اليابان (2007-2011).
11)المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية (أيار / مايو 2013- أيلول / سبتمبر 2013).
12)نائب الوزير للشؤون القانونية والدولية (2013-2017).
13)نائب وزير للشؤون السياسية (2017-2021).
14)أمين المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية (2013- 2024).
كان عراقجي معروفًا بقدراته على فهم التعقيدات السياسية والدبلوماسية، وهو ما ساعده في بناء سمعة قوية في أروقة السياسة الدولية. واكتسب خلال تلك الفترة معرفة عميقة بالأنظمة الدولية والسياسات الكبرى، مما مكّنه التفاعل مع القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
_أصبح عباس عراقجي معروفاً عالمياً بعد تولّيه دوراً رئيسياً في المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى، وخاصة في إطار الحوار الذي بدأ في العام 2013.
كانت إسهاماته في هذه المفاوضات حاسمة، حيث كان يشغل موقعاً استراتيجياً كحلقة وصل بين إيران وبين القوى الغربية. وعُرف عنه قدرته الفائقة على التفاوض والتمسك بالمواقف الإيرانية في الملفات الحساسة، والتمكّن من تحقيق التوازن بين الحفاظ على مصالح بلاده وبين إتمام المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق.
_عُيّن وزيراً للخارجية في حكومة الرئيس مسعود بزشكيان اعتبارًا من 11 آب / أغسطس 2024، وصدّق على تعيينه بعد تصويت مجلس الشورى الإسلامي على الثقة به في 21 آب / أغسطس. وفي مقابلة أجريت معه في كانون الأول / ديسمبر، صرّح بأن "عام 2025 سيكون عامًا مهمًا فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية".
الصفات والعوامل التي تجعله مفاوضاً رئيسياً
هناك العديد من الصفات والعوامل التي تجعل عباس عراقجي المفاوض الرئيسي للجمهورية الإسلامية في المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية في سلطنة عمان، والذي يقابله فيها مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص الى منطقة الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف. وأبرز هذه الصفات:
1)التمسك بالمبادئ والثوابت الإيرانية: فعلى الرغم من الضغوطات والتحديات التي تواجهها إيران، يظهر عراقجي قدرة وتمسك كبيرين بمواقفها وثوابتها، حيث لم يظهر أي تنازل عن المطالب الأساسية التي تتعلق بحق إيران في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية، ورفض أي مفاوضات مشروطة أو تحت التهديد.
2)القدرة على التفاوض في بيئة معقدة: رغم اتصاف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني بالتعقيدات الشديدة، نظرًا لحقوق إيران الواضحة ومصالح ومطامع الدول الكبرى. إلا أن عراقجي كان يملك مهارات تفاوضية متميزة، أظهرت قدرته على إيجاد حلول وسط بين الأطراف المتعددة عام 2013 وما بعده، مما ساعد في حينه على دفع المفاوضات إلى الأمام.
3)الخبرة الدبلوماسية الواسعة: بفضل سنوات طويلة من الخبرة في السلك الدبلوماسي للجمهورية الإسلامية، فإن لدى عراقجي معرفة عميقة بكيفية التفاعل مع القوى العالمية، وهي مفتاح إدارة العلاقات المعقدة مع أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي وغيرهم من دول العالم مثل الدول العربية.
4)دعم القيادة: من أبرز الصفات التي يتمتع بها عراقجي هي ثقة ودعم قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، وهذا ما يمنحه الأداة اللازمة لتحقيق أهداف إيران في المفاوضات.
الكاتب: غرفة التحرير