الخميس 08 أيار , 2025 03:50

تكتيك الكمين المركب.. المقاومة الفلسطينية تكبّد الاحتلال أثماناً باهظة

كمائن المقاومة الفلسطينية

أظهرت المعركة في قطاع غزة استمراراً للمواجهات العنيفة، خاصة في محاور التوغل البري الرئيسية في رفح وخان يونس. تميز هذا الأسبوع بالفاعلية التكتيكية العالية للمقاومة، التي نجحت في تنفيذ عدة "كمائن مركبة" متقنة ضد قوات الاحتلال، لا سيما وحدات الهندسة والآليات المدرعة. هذه الكمائن أدت إلى إلحاق خسائر مؤكدة بجيش العدو في الأفراد والعتاد، بما في ذلك جنود من وحدات النخبة مثل "يهلوم".

استخدام المقاومة للأنفاق كجزء من تكتيكات الكمائن، والاعتماد على العبوات الناسفة القوية والأسلحة المضادة للدروع من مسافة قريبة، يشير إلى قدرة مستمرة على التكيف وإيجاد طرق لتقويض التفوق التكنولوجي الإسرائيلي في الميدان.

على الجانب الآخر، يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته البرية ببطء وحذر، معتمداً على الدعم الجوي، ويركز على التعامل مع البنية التحتية للمقاومة. ومع ذلك، فإن تعرضه المتكرر لكمائن المقاومة والخسائر الناتجة عنها يشير إلى أن تحقيق أهدافه العملياتية لا يزال يواجه مقاومة شرسة وأثماناً باهظة.

عمليات المقاومة

تركزت عمليات المقاومة المعلنة من قبل كتائب القسام وسرايا القدس خلال هذا الأسبوع على تنفيذ "كمائن مركبة" ضد قوات وآليات جيش العدو المتوغلة، خاصة في محوري رفح وخان يونس. وشملت العمليات استهداف قوات هندسية صهيونية راجلة ومؤللة. استخدام مكثف لقذائف "الياسين 105" ضد الدبابات والجرافات العسكرية. استخدام عبوات ناسفة، بما في ذلك استخدام قنبلة "MK84" من مخلفات العدو كمصيدة وتفجيرها. الاشتباك المباشر من "مسافة صفر" مع قوات العدو الراجلة.

تقييم عمليات المقاومة في قطاع غزة

تُظهر العمليات التي نفذتها المقاومة في رفح وخان يونس خلال الأسبوع الماضي تبنّي المقاومة لِـ "تكتيك الكمين المركب" بفاعلية عالية، وهو تكتيك لا يعتمد على سلاح واحد أو إجراء منفرد، بل يجمع بين عدة عناصر قتالية وإجرائية لتحقيق أقصى تأثير على قوة العدو المستهدفة. يمكن تحليل هذه التكتيكات المجمعة على النحو التالي:

الاستدراج والإيقاع في المصيدة: هذا التكتيك هو الخيط المشترك والرئيسي في جميع العمليات. حيث تعمد المقاومة إلى تهيئة منطقة محددة مسبقًا (كمين محكم، عين نفق مفخخة)، ثم تقوم بإجراءات تهدف إلى استدراج قوة صهيونية (سواء كانت راجلة، مؤللة، أو هندسية متخصصة في التعامل مع الأنفاق) للدخول إلى هذه المنطقة أو الاقتراب منها. هذا يتطلب معرفة بتحركات العدو ونواياه، وقدرة على التنبؤ بمساراته.

التسلسل الهجومي المتعدد المراحل (العملية المركبة): لا يقتصر الهجوم على ضربة واحدة، بل يتم تنفيذه على مراحل متتالية ومترابطة لزيادة الفعالية وإرباك العدو. يتضمن هذا التسلسل عادةً:

- ضربة أولية لشل الحركة وإيقاع الخسائر: قد تكون هذه الضربة باستخدام العبوات الناسفة (ضد الآليات في كمين رفح 1 مايو)، أو قذيفة مضادة للأفراد (ضد القوة الراجلة في كمين خان يونس)، أو حتى الاشتباك الأولي القريب (كجزء من بداية الكمين في رفح 3 مايو).

- التفجير الموجه: استخدام عبوات ناسفة (سواء في الأنفاق كما في كمين رفح 3 مايو، أو عبوات أرضية قوية كما في كمين رفح 1 مايو) لضرب الهدف عند نقطة محددة وبدقة عالية بعد دخوله منطقة القتل. هذا يظهر تخطيطاً هندسياً وقتالياً متقدماً.

- الاشتباك المباشر من مسافة صفر: هذا العنصر تكرر في جميع العمليات. بعد الضربة الأولية (انفجار، قذيفة)، يتقدم المقاومون للاحتكاك المباشر بالأسلحة الرشاشة مع من تبقى من القوة المستهدفة، لضمان إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية وتصفية العناصر التي نجت من المرحلة الأولى. هذا التكتيك خطير ويتطلب شجاعة عالية وقدرة على القتال في بيئة قريبة جداً.

- الضربات النهائية ضد الآليات الداعمة: في كمين رفح 3 مايو وكمين خان يونس، جاء استهداف الآليات الثقيلة (دبابات، جرافات) بقذائف الياسين 105 كخطوة أخيرة بعد التعامل مع القوة الراجلة أو الأساسية. هذا يهدف إلى تدمير العناصر التي توفر الدعم الناري أو الهندسي لقوة العدو، مما يزيد من عزلتها وخسائرها. في كمين رفح 1 مايو، قامت العبوات بدور مشابه في تدمير الآليات المؤللة.

الاستخدام المنسق لمختلف أنواع الأسلحة: تُظهر العمليات دمجاً فعالاً لأنواع مختلفة من الأسلحة في كمين واحد:

- العبوات الناسفة (بأنواعها ضد الأفراد أو الآليات أو الأنفاق).

- الأسلحة النارية الخفيفة والمتوسطة (للقتال المباشر والاشتباك من مسافة صفر).

- الأسلحة المضادة للدروع (مثل الياسين 105) لاستهداف الآليات الثقيلة.

- قذائف مضادة للأفراد (في كمين خان يونس).

هذا التنسيق يدل على تدريب عالٍ للوحدات المقاتلة وقدرة على توظيف السلاح المناسب في المرحلة المناسبة من الكمين.

استغلال البيئة والبنية التحتية: تم استغلال طبيعة الأرض أو البنية التحتية بشكل فعال. ظهر هذا بوضوح في استخدام "عين نفق مفخخة" في كمين رفح 3 مايو، وفي القدرة على العمل "قرب السياج الفاصل" في كمين خان يونس. كما أن الاشتباك من مسافة صفر يشير إلى القدرة على القتال في المناطق المبنية أو المتشابكة والتي توفر غطاءً للمقاومين وتصعّب حركة العدو ورصده.

التركيز على أهداف ذات قيمة أو حساسية خاصة: استهدفت العمليات قوى صهيونية ذات طبيعة خاصة أو تكتيكية مهمة:

- قوة هندسية (من وحدة يهلوم) المتخصصة في التعامل مع الأنفاق (كمين رفح 3 مايو وكمين خان يونس). هذا يستهدف جهود العدو في تدمير شبكة الأنفاق.

- قوة مؤللة (مركبات همر وشاحنة أموليسيا) تشير إلى وحدات تتحرك بسرعة نسبية (كمين رفح 1 مايو).

- الدبابات والجرافات العسكرية (D9) التي تمثل رأس الحربة في التوغلات وتدمير البنية التحتية. استهدافها يُعيق تقدم العدو ويُفقده قدراته الهندسية والنارية الثقيلة.

يعكس الأسبوع الماضي استمرارية حرب الاستنزاف في غزة، حيث تظل المقاومة قادرة على إلحاق الأذى بالعدو في محاور التماس، بينما يواجه جيش العدو تحديات تكتيكية واضحة وخسائر متزايدة. التخطيط الإسرائيلي لمرحلة توسيع العمليات يشير إلى نية الاستمرار في القتال لفترة أطول، لكن فاعلية المقاومة والتطورات الإقليمية، بالإضافة إلى التحديات الداخلية الصهيونية (مثل خلافات القيادة وتأثر معنويات الاحتياط)، تضع علامات استفهام حول إمكانية تحقيق "النصر الكامل والمطلق" الذي يتحدث عنه نتنياهو.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور