حين تتراكم الأزمات وتتبدل الأولويات، تصبح بعض التحالفات التقليدية عبئاً على أصحابها. هذا ما ينطبق بدقة على العلاقة بين الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في المرحلة الراهنة. في ظل تصعيد عسكري متواصل في غزة ولبنان واليمن، ومسارات تفاوضية متقدمة مع إيران وأنصار الله، يجد ترامب نفسه أمام مفترق خيارات، يختبر فيه جدوى تحالفه مع بنيامين نتنياهو. ونلفت هنا إلى العبارة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم في خطابه بذكرى عيد المقاومة والتحرير وسلط فيها الضوء على هذا الواقع.
قراءة في خطاب الشيخ قاسم
حين وصف الشيخ نعيم قاسم اللحظة الحالية بـ "الفرصة غير المسبوقة"، كان يوجه الرسالة نحو واشنطن: أمامكم فرصة لإعادة النظر، فاستمرار الحرب سيقلب الطاولة. فالهدوء الحالي في الجنوب ليس دائماً، وإن قرر حزب الله الذهاب نحو معركة استعادة الأراضي المحتلة، فإن ذلك سيعيد إشعال المنطقة بأكملها. وفي لحظة قد تجد "إسرائيل" نفسها أمام هزيمة سياسية وميدانية، يخسر ترامب معها صورته كصانع تسويات، ويتلقى ضربة قبيل انتخابات الكونغرس. فهل يستحق نتنياهو هذا الثمن؟
الظرف الإقليمي والدولي
الحرب في غزة دخلت مرحلة استنزاف مفتوحة. لا نتائج حاسمة، ولا رهائن عادوا، والتصعيد في لبنان يُدار حتى الآن ضمن سقف دبلوماسي مع التزام كامل من جهة حزب الله بوقف إطلاق النار وخرق إسرائيلي مستمر له. لكن الوضع قابل للانفجار، خصوصاً إذا استُنفدت السبل الدبلوماسية وقرر حزب الله الذهاب إلى الخيار العسكري. في اليمن، تُظهر مفاوضات أمريكا مع أنصار الله رغبة حقيقية في التهدئة بينما التصعيد الإسرائيلي مستمر. إيران كذلك في مدار المفاوضات الأولية مع أمريكا بينما ترى "إسرائيل" أن الخيار العسكري ضد إيران هو الخيار الوحيد. هذه المؤشرات تضع إدارة ترامب أمام اختبار: إما السير بخطوات محسوبة نحو التهدئة العامة، أو ترك الساحة لتحالفات غير مضبوطة قد تخلّ بالتوازن الهش وتُفشل مساعي التسويات.
الخسائر المحتملة على واشنطن
في ضوء هذه المعادلة الدقيقة، يمكن لواشنطن أن تقرأ مصلحتها من زوايا متعددة، وكلها تشير إلى كلفة استمرار العلاقة الحالية مع نتنياهو:
-الفرص البديلة: التخلي عن نتنياهو يؤمن لترامب الاستقرار الذي يحتاجه لبناء تحالفات مجدية له وفتح باب استثمارات جديدة.
-تعطيل الأولويات الاستراتيجية: نتنياهو بات معرقلاً لطموحات واشنطن في إرساء تهدئة شاملة، لا سيما وأن استمراره يعني تعطيل التفاهمات الممكنة.
-غياب الإنجازات: ترامب، الذي يسعى لتقديم نفسه كصانع انتصارات، يصطدم بشريك غير قادر على تحقيق أي إنجاز ميداني أو تفاوضي.
-الإضرار بصورة ترامب: الغرب بدأ بنقد سياسات نتنياهو علناً، والبقاء في صفّه قد يضر بصورة ترامب كرجل تسويات.
-خطر التصدع الداخلي: استمرار الدعم قد يؤدي إلى موجة من الرفض داخل أمريكا للسياسات المتبعة وقد تشهد الولايات المتحدة الأمريكية عمليات شبيهة بـ "عملية واشنطن"، وهو سيناريو لا يصبّ في مصلحة ترامب.
-نزيف مستمر دون مقابل: الدعم غير المحدود ل "إسرائيل" لم يحقق نتائج فعلية، بل زاد الاستنزاف المالي والسياسي، فهل تستحق المعركة هذا الثمن؟
بات واضحاً أن التحالف مع نتنياهو يعوق التهدئة ويُقصي فرص الربح. لا إنجازات ميدانية، ولا مردود سياسي، بل المزيد من الاستنزاف. في المقابل، يمكن للولايات المتحدة أن تفتح أبواباً جديدة من خلال:
-إعادة تقييم التحالفات التقليدية: من الضروري للولايات المتحدة أن تعيد النظر في جدوى التحالف غير المشروط مع نتنياهو، خاصة مع فشله المتكرر في تحقيق الأهداف.
-استغلال اللحظة السياسية: حيث قد لا تتكرر ظروف مشابهة تتيح تسويات متوازنة.
-تحييد المصالح عن الأفراد: ربط مستقبل السياسات الأمريكية في المنطقة بشخص نتنياهو بات عبئاً، إذ إن التمسك به أصبح مكلفاً وغير منتج.
-عدم تجاهل رسائل البيئة المقاومة: الإشارات الواضحة التي تصدر من أطراف المقاومة، كحزب الله وأنصار الله، ليست تهديدات عبثية بل تعكس توازن قوى حقيقي يجب التعامل معه بجدية.
الكاتب: غرفة التحرير