الإثنين 14 تموز , 2025 04:01

أذربيجان منصة التقارب بين سوريا و"إسرائيل"

لقاء بين الشرع ووفد إسرائيلي في أذربيجان

يستعد رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع (الجولاني) لعقد لقاء مع مسؤولين إسرائيليين في أذربيجان، في خطوة تمهّد لمسار تطبيعي علني بين دمشق وكيان الاحتلال. الاجتماع المرتقب، الذي يُعقد برعاية مباشرة من أطراف إقليمية ودولية مثل تركيا، يتناول ملفات حساسة، أبرزها: إنشاء منطقة أمنية جنوب سوريا لصالح "إسرائيل"، بحث مصير السلاح الفلسطيني داخل سوريا، ودور النظام في التعامل مع حزب الله ولبنان ضمن المخطط الأميركي لإعادة ترتيب المنطقة. كما أن اختيار أذربيجان كمكان للّقاء لا يخلو من الدلالات خصوصاً في هذه المرحلة.

تحويل الجنوب السوري إلى "منطقة آمنة" إسرائيلية

أحد أبرز المحاور التي سيُطرح في هذا الاجتماع، وفقاً لتسريبات إعلامية، هو مشروع تحويل الجولان السوري ودرعا إلى "منطقة أمنية عازلة" على غرار ما جرى في جنوب لبنان في ثمانينيات القرن الماضي وكما جرى أيضاً بالحدود المصرية بين مصر والكيان، في محاولة لإرضاء الاحتلال الإسرائيلي واستنساخ نموذج "الحزام الأمني" القديم تحت تسميات جديدة. والهدف إلى جانب إبعاد "الخطر" عن الجبهة الشمالية للكيان، يشمل أيضاً تعزيز القبضة الإسرائيلية على هذه المناطق القريبة من لبنان ما يسمح للكيان بمراقبة الحركة وإذا كان هناك أي شيء ينقل للمقاومة عبر هذا الطريق. وفي هذا السياق، جاء قصف الطائرات الإسرائيلية لدبابات سورية جنوبي البلاد – كما نقلت القناة 12 العبرية – بذريعة "تجاوزها للحدود التي حدّدتها إسرائيل"، ليُشكّل دليلًا عمليًا على نوايا الاحتلال فرض واقع أمني جديد في الجنوب السوري.

لبنان تحت الوصاية السورية مجدداً؟

واحدة من أكثر النقاط التي تشغل الرأي العام حالياً، هي تلك التي تتعلق بمقترح إعادة لبنان إلى مظلة الوصاية السورية بما فيه من تهديد للسيادة والاستقرار اللبناني لكن هذه المرّة في عهد أحمد الشرع الجولاني، وضمن مشروع أميركي هدفه هندسة لبنان سياسياً وأمنياً في المرحلة المقبلة. وهنا يتبدى خطر مزدوج: أولاً، ضرب التوازنات اللبنانية الداخلية، وثانياً، استخدام الشرع كأداة محتملة لمحاصرة حزب الله وتجريده من سلاحه إذا تطلب الأمر. والحديث عن جعل لبنان في دائرة النفوذ السوري هي وسيلة أميركية للالتفاف على سلاح المقاومة، وتحقيق أمن "إسرائيل"، ومحاولة لتقليص نفوذ إيران، وكل ذلك من دون خوض حرب مباشرة وهذا من عادة الأميركي أنه لا يدخل إلى المنطقة إلا بعد تفكيكها وإنهاكها.

سلاح الفصائل الفلسطينية تحت المقصلة

اللقاء المنتظر سيتناول كذلك، وفقاً لمصادر متعددة، مصير الفصائل الفلسطينية في سوريا، لا سيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي. النقاش يدور حول إمكانية نزع سلاح هذه الفصائل أو إعادة تموضعها، في مقابل مكاسب سياسية قد يُقدَّمها الشرع للإسرائيليين كجزء من صفقة "حسن نية" أولى. وهو ما قد يؤدي فعلياً إلى تفكيك آخر ما تبقى من فصائل المقاومة داخل الأراضي السورية. وهذا ما كان ترامب قد طلبه من الجولاني سابقاً في اللقاء الذي جمعهما في الرياض في أيار/مايو 2025. وحينها جرى الحديث عن التطبيع وعن التطلعات الأميركية للإدارة السورية الجديدة وما هو الدور الذي ستكون عليه. حيث ترتكز الرؤية الأميركية – الإسرائيلية بعد اللقاء على معادلة تفريغ الإقليم من كل سلاح المقاومة، وتقليص نفوذ طهران تدريجياً في المنطقة. ومن هنا، فإن تدخل الشرع ضد حزب الله -إن طُرِحَ لاحقاً- لن يكون مستبعداً في ظل الاصطفاف الجديد.

لماذا أذربيجان؟

لم يكن اختيار العاصمة الأذربيجانية باكو لاستضافة اللقاء بين أحمد الشرع ومسؤولين من كيان الاحتلال الإسرائيلي مجرد صدفة، بل خطوة محسوبة بعناية من قبل الكيان. فأذربيجان، الدولة ذات العلاقات العلنية المتقدمة مع "إسرائيل"، تُعد موقعاً مثالياً لعقد لقاءات كهذه. لكن الأهم أن أذربيجان تقع على حدود إيران، وتستضيف نشاطاً استخباراتياً إسرائيلياً مكثفاً حيث تضم أذربيجان قاعدة للموساد الإسرائيلي ويجري التحقق حالياً من أن تكون قد لعبت دوراً أثناء العدوان الإسرائيلي على إيران، ومن خلال مكان هذا اللقاء يعمد الكيان إلى توجيه "رسالة استفزازية" لإيران. كما أن العلاقة الوثيقة التي تجمع أذربيجان بكل من تركيا و"إسرائيل" تجعل منها بيئة آمنة بالنسبة للأطراف المجتمعة لعقد مثل هذه اللقاءات، ما يجعلها تشبه "المنطقة الرمادية".

ختاماً، يمكن القول إن التحركات الأخيرة تمثل محاولة واضحة لإعادة رسم خريطة الإقليم بما يخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي ويقوض سيادة الدول الواقعة على حدود فلسطين المحتلة. وما يحاك من مخططات يحمل في طياته مخاطر كبيرة على مستقبل الاستقرار في المنطقة، ويستدعي يقظة وتنسيقاً مضاداً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور