الخميس 05 حزيران , 2025 12:17

هل دخل سلام مرحلة التبريد السياسي؟

نواف سلام يلتقي كتلة الوفاء للمقاومة

لقاء السراي الحكومي بين سلام ورعد لم يكن مجرد اجتماع عابر، بل لحظة سياسية تختصر تحوّلاً في التموضعات وتأكيداً على التوازنات. سلام الذي أمضى شهوراً في موقع التمنّع عن التواصل الجدي مع الثنائي الوطني حركة أمل وحزب الله، مدفوعاً بضغط خارجي وتقديرات خاطئة للواقع والحسابات الداخلية، اضطر إلى التراجع والجلوس مع الكتلة القوية نيابياً وشعبياً، بعدما أدرك أن تجاوزها لا يؤدي إلى حكم ولا إلى إنجاز ولا إلى استمرار.

بري يضع حداً للتصريحات

التبدّل ربما بدأ لحظة تعليق رئيس مجلس النواب نبيه بري على تصريح سلام الأخير. حين تطرّق إلى ملف السلام والتطبيع، رغم محاولة الأخير نفيه عبر بيان صادر من مكتب رئيس الوزراء، حيث جاءه الجواب قاطعاً من الرئيس بري: "إذا بتحّمي منحّمي، وإذا بتبّرد منبّرد". الرسالة وصلت بوضوح: التلاعب بالثوابت الوطنية سيواجه بحائط منيع. حاول سلام التذاكي في توزيع المواقف بين الداخل والخارج، فتبلّغ أن الاستمرار على هذا النهج لن يمر، وأن التوازن اللبناني لا يحتمل خفّة سياسية من هذا النوع، وقد وصلت مسامعه رسائل متعددة من أطراف داخلية وخارجية بان الآداء ضعيف لم يكن على مستوى التوقعات، وان الأمر لا يستقيم على هذا المنوال.

عون يسحب البساط

في الوقت الذي حاول فيه سلام تقديم نفسه شريكاً غربياً وعربياً صالحاً لـ "ترتيب" الوضع اللبناني، تلقّى ضربة قاسية من الداخل. اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية جوزيف عون مع الثنائي الوطني، لم يكن على الهامش. بل وجّه رسالة سياسية مركّبة لسلام مضمونها: البديل جاهز، والخيارات الأخرى على الطاولة. وهذا ما فهمه سلام جيّداً أن تفرده بالقرار لم يعد مقبولاً، وأن تجاهل القوى الوازنة يعزله تدريجياً عن مركزه السياسي.

عجز وفشل بعد ستة أشهر

منذ توليه رئاسة الحكومة، لم ينجح سلام في إنجاز أي ملف حقيقي سوى المراوحة، وغياب الرؤية الواقعية، كلها أفضت إلى شلل حكومي فعلي. لم يُعِد إعماراً، ولم يُنجِز إصلاحاً، ولم يفتح باباً جدياً للتمويل. حتى شركائه في الداخل باتوا يشتكون من ضعف تجربته ومحدودية فهمه لتركيبة النظام والخصوصية اللبنانية في السياسة. الرئيس عون نفسه، بحسب مصادر مطلّعة، عبّر عن استيائه من آدائه الضعيف، واستمراره في التعطيل تحت شعار "القرار السيادي" وعناوين أخرى، فيما الواقع يتطلّب توافقاً لا استعراضاً.

 خفوت المظلّة الغربية!

بالتوازي، جاءت إقالة نائب المبعوث الأمريكي إلى لبنان مورغان أورتاغوس، لتزيد من إرباك سلام. تلك التي كان يعتبرها على تنسيق لصيق معه، وتوفّر له غطاءً خارجياً -ولو ضعيفاً-. هذه الإقالة مثّلت أزمة مضاعفة لسلام: أولاً لأنها أنهت الغطاء الذي كان يتمسّك به للاستمرار في تجاهل الثنائي، وثانياً لأنها أعادته إلى الواقع اللبناني بعد شرود عنه فاكتشف أنه أمام التزامات حقيقية تحتاج رهانات حقيقية. أوضح الثنائي لسلام انه أمام خيار لا ثاني له فإما أن يجلس مع قوى ضمن البلد الذي يحكم فيه، وإما فلا سبيل لإنجاح عمل الحكومة والاستمرار على هذا النحو.

التبدلات الإقليمية

في خلفية المشهد، لا يمكن إغفال التطوّر الإقليمي المتمثل بتنامي العلاقات السعودية الإيرانية، خصوصاً بعد زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى طهران. فمع الاتفاق الأمريكي السعودي الذي جاء عقب زيارة ترامب للخليج أوكل الملف اللبناني إلى السعودية وكذلك الملفين السوري والفلسطيني حسب مصادر مطلعة للخنادق، وبات واضحاً أن الرياض مضطرة للتفاهم والتنسيق مع طهران، وبالتالي مع حزب الله. هذا التحوّل الإقليمي دفع نواف سلام إلى تخفيف حدّته، لأن المكابرة تعني العزلة. إذا أراد البقاء رئيساً للحكومة، فعليه أن يعيد وصل ما انقطع مع من يملكون مفاتيح اللعبة.

الحاجة أكبر من المبادرة

ليس بالضرورة أن يكون سلام قد طلب اللقاء مع كتلة الوفاء للمقاومة من موقع القناعة، بل لأنه لا خيار آخر. أدرك أن الخارج وحده لا يصنع له ولاية ثانية، ولا يؤمّن له الإنجاز. وأن غياب التفاهم مع الثنائي يعني عملياً تعطيل الحكومة. هكذا ببساطة: الحاجة دفعته إلى اللقاء. الحاجة إلى شراكة فعلية، حتى لو كانت متأخرة، بعد أن لامس دنو العزل السياسي.

مصطلحات سلام لا تناسب لبنان

حتى على مستوى الخطاب، أثبت سلام أنه بعيد عن منطق التوازن الداخلي. استخدامه لمصطلحات مثل "نزع السلاح" يؤشر إلى ضعف معرفته بخصوصية الساحة اللبنانية. في المقابل، أطراف داخلية لديها نفس الحدة تجاه حزب الله، تلتزم بتوصيف أكثر دقة، حفاظاً على الحد الأدنى من الواقعية مثل "حصرية السلاح" وفق الرئيس عون، أو "بسط سلطة الدولة" وفق الوزيرين طارق متري وغسان سلامة. سلام لم يفعلها بعد، رغم اضطراره مؤخراً إلى خفض السقف.

رئيس الحكومة نواف سلام زار دارة الرئيس نبيه بري في عين التينة، واستقبل وفد كتلة الوفاء للمقاومة برئاسة الحاج محمد رعد في السراي فالحاجة تقتضي التفاهم معهما. الثنائي، ورغم كل ما يُقال، لا يعاني من أزمة شرعية ولا من عزلة داخلية، بل ما زال يمسك بالمفاتيح الأساسية للاستقرار السياسي والمؤسساتي في البلد. أما سلام، فهو اليوم أمام مفترق حاسم: إما أن يُثبت جدارته كرجل دولة وليس مترجماً لأجندة أميركية- سعودية بهذا الوضوح، وأن يترجم وعوده إلى إنجازات فعلية، ويلتزم بالبيان الوزاري كله وليس بعضا منه، وإما أن يفشل في فهم تعقيدات الساحة اللبنانية ويبقى مكانه، ومن ثم يخرج من المعادلة السياسية اللبنانية كما بعض رؤساء الحكومات الذين رحلوا ونسيهم اللبنانيون والتاريخ.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور