الإثنين 07 تموز , 2025 03:37

إيران توحّدت تحت القصف... وأسقطت المخططات

الالتفاف الإيراني حول العلم أفشل الرهانات الغربية

خلال 12 يوماً من العدوان الإسرائيلي على إيران، برزت العديد من الشهادات والتجارب المعاشة التي سلطت الضوء على التحولات النفسية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الإيراني في ظل القصف. يروي أحد الكتّاب ممن خاضوا تجربة الحرب كيف توحدت شرائح مختلفة من الإيرانيين حول فكرة "الوطن"، رغم تباين مواقفهم السياسية، ويكشف كيف أدّت وحشية الهجمات وصمت الغرب إلى تصاعد مشاعر الغضب والخذلان، ليس تجاه "إسرائيل" فحسب، بل أيضاً تجاه الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

كما يناقش المقال الذي نشرته صحيفة "ذا غارديان" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، كيف أثر هذا العدوان على الرأي العام داخل إيران، بما في ذلك تنامي التأييد الشعبي لفكرة امتلاك سلاح نووي كوسيلة ردع، وتراجع الثقة بأي دور غربي محتمل كوسيط نزيه. ويخلص إلى أن ما جرى لن يُنسى لا من قبل الشعب، ولا من قبل أي قيادة مستقبلية قد تتولى الحكم في البلاد.

النص المترجم:

المعايير المزدوجة والنفاق المُستخدمان لتبرير عدوان "إسرائيل" لن يُنسَيا هنا، ولا في أي بلد آخر.

هدنة هشّة أوقفت مؤقتاً أصوات الانفجارات التي أصبحت مألوفة فوق سماء طهران.

وُلدتُ في عام 1988، قبل عام واحد فقط من نهاية الحرب الإيرانية-العراقية. بالنسبة لجيلنا، كانت الحرب شيئاً من الماضي حدثاً مستحيلاً، إلى أن جاء هذا الصيف. على مدى 12 يوماً، عشنا في العاصمة تحت قصف إسرائيلي متواصل، وما رأيناه غيّرنا إلى الأبد: جيران قتلى، مبانٍ مدمّرة..

من المريح الحديث عن "الشعب الإيراني" كما لو أننا كتلة موحدة، لكن، كحال معظم المجتمعات، الإيرانيون يحملون آراء متباينة.

لكن مع امتلاء الأخبار بصور الضحايا المدنيين، وازدياد الهجمات عنفاً وعشوائية، بدأت الفئات الاجتماعية المختلفة تتوحد حول فكرة "الوطن".

واكتسبت الوطنية معنىً جديداً، وغدت الكرامة الوطنية حديث الغالبية. ظهرت مشاهد تضامن منها:

مُلّاك يعفون المستأجرين من دفع الإيجار في ظل الأزمة، عائلات في خارج طهران تستضيف نازحين من العاصمة، ولا اندفاع نحو المحال التجارية، ولا فوضى، ولا حالات هلع أو نزوح جماعي.

برأيي، كان لموقف الدول الأوروبية من العدوان الإسرائيلي دورٌ أساسي في هذا التحوّل.

فالدول الثلاث الكبرى في أوروبا، إلى جانب دول أخرى لاذت بالصمت في القارة، دعمت الضربات الإسرائيلية، مستخدمة التبريرات المعتادة: برنامج إيران النووي ودعمها "للإرهاب"، بينما كان الرئيس الأميركي يرسم صورة وردية "لعظمة" إيران المفترضة في "اليوم التالي" عبر منصة تروث سوشال.

لكننا، نحن أبناء الشرق الأوسط، ندرك الحقيقة جيداً. صور الدمار في غزة تظهر يومياً، ولا ننسى الحرب الأهلية في سوريا، واحتلال العراق لعقود، وعودة طالبان في أفغانستان. لم يكن في تلك الحروب أي ديمقراطية.

أليس من المفترض أن تُثير عدوانية "إسرائيل" العارية ردوداً من القوى نفسها التي أدانت بحقّ غزو روسيا لأوكرانيا؟

ألم يكن ينبغي، من أجل تفادي سحق هذه المنطقة من جديد، أن تُواجَه هذه الهجمات الوحشية، غير المبرّرة المتعمّدة بطوفان من الإدانة والغضب إزاء انتهاك ميثاق الأمم المتحدة؟ لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.

كان الصمت يصمّ الآذان. تذكير واضح بأن الأرواح الإيرانية، في نظر الغرب، أقل قيمة من غيرها.

بالنسبة لكثيرين منا، كان هذا هو الاستنتاج الأبرز من الدعم الذي قدّمته الدول الغربية "لإسرائيل". كانت الحرب تُشنّ على إيران، وتقابل بالعنصرية، اللامبالاة، والتقاعس من أولئك الذين يملكون القدرة على التدخل؛ واللغة الباردة التي يستخدمها الإعلام عند الإشارة إلى الضحايا من غير البيض بالإضافة للازدراء المعتاد لمعاناتهم؛ والقبول بالهجمات على أراضٍ تقع خارج المدار الغربي.

إلى حد أن المستشار الألماني صرّح قائلاً: "إنها أعمال قذرة تقوم بها إسرائيل نيابةً عنّا جميعاً".

يشعر كثير من الإيرانيين بالغضب من هذا الظلم إلى درجة أن فكرة بناء سلاح نووي، التي كانت حكراً في السابق على الأطراف المتطرفة في السياسة، باتت اليوم تحظى بتأييد متزايد في أوساط الناس العاديين.

كما كتب أحد المستخدمين على منصة اكس: "لا أحد يبدو قلقاً بشأن وضع حقوق الإنسان في كوريا الشمالية"، في إشارة إلى أن الرؤوس النووية قد تكون الرادع الوحيد الموثوق به ضد العدوان.

سيكون من السذاجة الثقة ب "إسرائيل" في وقف إطلاق النار؛ فهي معروفة بانتهاكها للاتفاقات دون محاسبة.

من موقعي، أرى أن مشاعر انعدام الثقة تجاه أوروبا تتجذّر من جديد.

ستُعاد بناء المباني، وستُصلَح البنى التحتية. لكن ما قد يكون تضرّر بشكل لا رجعة فيه وربما إلى الأبد هو النسيج الأخلاقي الذي تستند إليه أوروبا لتلقي المواعظ على الآخرين.

المعايير المزدوجة، النفاق، الظلم، والعقلية الإمبريالية التي لا تزال حيّة تُرزق تُلقي الآن بظل ثقيل على صورة أوروبا، ليس في أعين الإيرانيين فحسب، بل في نظر كثيرين في الجنوب العالمي.

إنها أوقات قاسية نعيشها هل ستنجو الجمهورية الإسلامية من هذا المنعطف؟ هل ستبرم صفقة؟ أم ستواصل طريقها في الردّ والانتقام؟ لا أدري.

لكن ما هو مؤكّد، هو أن من سيحكم إيران في المستقبل، لن ينسى ما حدث هنا.


المصدر: The Guardian

الكاتب: Hossein Hamdieh




روزنامة المحور