الأحداث السورية منذ سقوط نظامها متسارعة، وتنحو باتجاه تفتيت فعلي لسوريا. حيث باتت قوات الاحتلال في وضعية تصعيد كبير لعملياتها العسكرية داخل سوريا. عدد الغارات الجوية والبرية منذ بداية 2025 مرتفع جداً مقارنة بالفترات السابقة. فيستهدف جيش الاحتلال مناطق واسعة في سوريا، من الشمال (حلب) إلى الجنوب (درعا)، ومن الشرق (ريف حمص) إلى الغرب (اللاذقية).
ولا تتركز العمليات في منطقة واحدة فقط. لأن الاحتلال ينوي من توسيعه لدائرة الاستهداف مجموعة متنوعة من الأهداف: المطارات العسكرية، مراكز البحوث العلمية، مستودعات أسلحة، مواقع عسكرية، وحتى مناطق حدودية. هذا يشير إلى استراتيجية شاملة لمنع أي تهديد محتمل. وإلى جانب الضربات الجوية، ينفذ العدو توغلات برية في مناطق مثل درعا. قد تكون هذه التوغلات لجمع معلومات استخباراتية، أو لتثبيت نقاط مراقبة مؤقتة، أو لإظهار قوة الردع.
من خلال ما تقدم يمكن تحديد أهداف عمليات العدو العسكرية في سوريا بالتالي:
- عرقلة التوسع التركي كهدف جديد، ناتج عن القلق الإسرائيلي الأمريكي من النفوذ التركي المتزايد وعن تجاوز تركيا خطوطاً حمراء في سوريا.
- منع استخدام سوريا كمنصة ضد الكيان وضمان عدم استخدام الأراضي السورية من قبل جهات "معادية لإسرائيل" لشن هجمات أو تخزين أسلحة.
- إضعاف القدرات العسكرية في سوريا حيث يهدف تدمير المطارات والمرافق العسكرية إلى إضعاف القدرات العسكرية لأي طرف قد يشكل تهديداً.
- حرية كبيرة في عمل سلاح الجو في الأجواء السورية، وإجهاض أنظمة الدفاع الجوي السورية (لتعطيلها وجعلها غير فعالة في مواجهة الضربات الإسرئيلية).
ولكن ذلك يعكس جانباً واحداً من صراع النفوذ الصهيوني التركي الأمريكي حيث أن الصهاينة ليسوا اللاعب الوحيد أو الرئيسي في سوريا وأحداث اليومين الماضيين التي دخلت على خطها الولايات المتحدة وتركيا إلى جانب العدو فتحت الوضع العسكري على جملة من الاحتمالات.
ففي المشهد العام يمكن وصف الميدان السوري بالتالي:
- ساحة حرب متعددة الأطراف: تحولت سوريا إلى ساحة حرب معقدة ومتعددة الأطراف، حيث تتداخل وتتنافس قوى عسكرية مختلفة، محلية وإقليمية ودولية. ولم يعد هناك طرف واحد مسيطر على كامل الأراضي السورية.
- تفتت السيطرة: لا توجد سلطة مركزية قوية تسيطر على كامل البلاد بعد سقوط النظام السوري فالأراضي مقسمة بين مناطق نفوذ لقوى مختلفة، مما يخلق فسيفساء من السيطرة العسكرية.
- عمليات عسكرية مستمرة: العمليات العسكرية مستمرة ومتصاعدة، خاصة من جانب العدو. هناك أيضاً تحركات وتمركزات للقوات التركية، ونشاط لفصائل محلية مثل "جيش سوريا الحرة" ومؤشرات لعودة قوية لعمليات "داعش".
- حرب جوية وبرية: الصراع يتخذ أشكالاً متعددة، بما في ذلك الغارات الجوية المكثفة (خاصة الإسرائيلية)، والتوغلات البرية (إسرائيلية أيضاً)، والتمركزات العسكرية، واشتباكات متقطعة بين مختلف الفصائل والقوى.
- غياب خطوط واضحة للجبهة: مع تفتت السيطرة وتداخل مناطق النفوذ، من المحتمل أنه أصبحت خطوط الجبهة غير واضحة وثابتة، بل ديناميكية ومتغيرة حسب العمليات العسكرية والتحالفات.
خلاصة واستنتاج:
- تحولات كبيرة في النفوذ الاجنبي في سوريا تتمثل بتفعيل النشاط الأمريكي لاستكمال المنطقة العازلة التي تمتد من جنوب سوريا إلى أقصى شمالها الشرقي.
- العمليات الامريكية والإسرائيلية في وسط سوريا منسّقة وتخدم مصالح ومتطلبات الجانب الامريكي.
- الولايات المتحدة تستعد لعمليات مباشرة وبالواسطة لتغيير هوية وتبعية محافظة دير الزور بعد نجاحها في ترسيخ الكيانات الذاتية في محافظتي السويداء والحسكة.
- هدف التعاون الأمريكي الإسرائيلي في شرق سوريا هو كبح تمدد النفوذ التركي جنوباً.
- من المتوقع أن يرفع العدو من وتيرة عملياته وتوغلاته في الجنوب السوري ليلاقي ما تزمع الولايات المتحدة تنفيذه من عمليات شرق ووسط سوريا.