بعد قرابة شهر من إعلان إدارة بايدن شن عدوان جوي على اليمن، كان ترامب أول من انتقد هذه الحملة، حيث كتب في منصة تروث في 18 فبراير 2024 منشوراً جاء فيه: "نحن نقصف اليمن، وكل قنبلة تكلف مليون دولار، لكن الشيء الأهم هو أننا نقتل الكثير من الناس".
كان البعض قد اعتقد أن هذا الانتقاد يعبر عن المسار الحقيقي لسياسة ترامب الذي وعد بأنه سيوقف الحروب في العالم كله، لكن الأمر سرعان ما تغير بعد فوزه بالرئاسة، فبعد مرور قرابة 55 يوماً من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، أعلن ترامب حملة عسكرية ضد اليمن في 15 مارس 2025، فماهي أهداف إدارة ترامب من استئناف الحرب على اليمن، وما هي التكتيكات التي تستخدمها القوات الأمريكية وما تأثيراتها على القدرات اليمنية، وبالمقابل كيف تتصدى القوات اليمنية للعدوان الأمريكي على اليمن، وما مدى تأثيرات العمليات اليمنية؟!
في هذا التقرير سنعرض أهداف العدوان الأميركي على اليمن، ويمكنكم تحميل التقرير بشكل كامل في الأسفل، الذي يحمل إجابات على تساؤلات المقدمة.
أهداف العدوان الأمريكي على اليمن
بشكل عام، يبدو أن الدوافع التي دفعت بايدن لإعلان الحرب على اليمن في يناير 2024، تتشابه إلى حد كبير مع الدوافع التي قادت ترامب لاستئناف الحملة العسكرية في منتصف مارس 2025، وتتمثل بشكل رئيسي في محاولة إيقاف جبهة الإسناد اليمنية، والفارق هو أن ترامب عمل على توسيع العملية سواء من خلال تكثيف الهجمات وتوسيع بنك الأهداف أو من خلال تنويع الوسائل القتالية، وهنا سنستعرض أبرز الأهداف الأمريكية من العدوان على اليمن:
- محاولة إيقاف جبهة الإسناد اليمنية التي تهدف للضغط على الكيان الإسرائيلي لإيقاف عدوانه وحصاره على قطاع غزة، فبعد مرور ثلاثة أيام من إعلان القوات المسلحة اليمنية استئناف حظر مرور السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي في مساء 11 مارس الماضي - رداً على نكث الكيان الإسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة وفرضه حصار خانق على القطاع ومنع إدخال المساعدات الإنسانية - أعلن ترامب استئناف العدوان على اليمن في محاولة لإيقاف الإسناد اليمني لفلسطين وإراحة الكيان الإسرائيلي من الفعل اليمني الضاغط والمؤثر ليتفرغ الكيان لتحقيق أهدافه في قطاع غزة.
- تثبيت المشروع الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة أو ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد (تسييد الكيان على المنطقة) وردع الدول والحركات المناهضة لهذا المشروع، والاستفادة من التغييرات التي حدثت في المنطقة، وخصوصاً بعد سقوط النظام السوري وضرب الكيان الإسرائيلي لمعظم قدرات الجيش السوري واحتلاله لأراضي واسعة في جنوب سوريا، وبما أن اليمن ما زال يناهض هذا المشروع بالفعل قبل القول فقد رأى الأمريكي ضرورة تحييد اليمن أو على الأقل إضعافه لرسم وتنفيذ هذا المشروع دون مقاومة أو إزعاج.
- إرسال رسالة ردع لإيران، فاستئناف العدوان على اليمن تزامن مع تصعيد وضغوط قصوى تفرضها الولايات المتحدة لمحاولة جلب إيران إلى طاولة المفاوضات على برنامجها النووي، وبحسب تصريحات لمسؤولين أمريكيين فإن استئناف واشنطن لهجماتها على صنعاء يعتبر بمثابة رسالة لطهران بأنها ستكون التالية إذا لم تأت إلى طاولة المفاوضات، وهذا ما أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها نقلاً عن مصادر أمريكية قولها: "إن هناك ثلاثة أهداف، للضربات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين في اليمن وهي: منصات إطلاق صواريخ حوثية كانت تُنقل نحو الساحل استعداداً لهجمات جديدة على السفن، وقيادات الحوثيين المختبئين، ورسالة إلى إيران مفادها أنها قد تكون التالية".
- محاولة استعادة الهيبة الأمريكية في المنطقة والعالم، فبعد أن فشلت إدارة بايدن خلال أكثر من عام من القصف الجوي على اليمن من ردع اليمن أو إضعافه، وانعكاس هذا الفشل على سمعة وحضور واشنطن في المنطقة والعالم، فقد رأى ترامب أن استئناف العمليات العسكرية بشكل أكثف وأوسع قد يحقق ما عجز بايدن عن تحقيقه وترميم سمعة وحضور البحرية الأمريكية التي فشلت في تحقيق المرور الآمن للسفن الإسرائيلية والأمريكية في أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، ونظراً للآثار والتداعيات التي ستلحق بهذا الفشل، فإنه من الطبيعي أن يعلن الأمريكي استئناف عملياته على أمل تحقيق نتائج مغايرة.
- لا تقتصر أهداف ترامب في هذا الشأن على تحقيق الأهداف والأجندات الخارجية وحسب، بل ولتحقيق الأجندات في الداخل الأمريكي أيضاً، من خلال إبراز نجاحاته وانتصاراته، وفي هذا الصدد يقول أستاذ قسم الدراسات الأوروبية في كلية العلاقات الدولية بجامعة سان بطرسبورغ الحكومية، ستانيسلاف تكاتشينكو: "أظن أن ترامب بدأ هذه العملية لأجندة محلية، لإظهار النجاحات للمواطنين الأمريكيين على الساحة الدولية، فالحوثيون حسب فهم سيد البيت الأبيض، خصم ضعيف ويمكن هزيمته بالقوة، ويمكن نشر لقطات انتصار الأسلحة الأمريكية عبر جميع وسائل الإعلام"، وأضاف: "يريد سيد البيت الأبيض أن يُظهر أن كل شيء على ما يرام لدى الولايات المتحدة على الجبهة الخارجية: الأمريكيون يغادرون تلك المناطق والصراعات والتحالفات التي لا يحتاجون إليها، على سبيل المثال، أوكرانيا وأوروبا وحلف شمال الأطلسي؛ ويدافعون عن مصالحهم حيث يكون ذلك ضروريًا، على سبيل المثال، الشرق الأوسط".
- السيطرة على البحر الأحمر وابتزاز الدول العربية والأوروبية وفرض تكاليف الحرب عليهم، باعتبار أن العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الأمريكي لا تخدم واشنطن فحسب، بل تخدم الدول الأوروبية بدرجة أساسية والدول العربية وبقية دول العالم بدرجة ثانوية، وبالتالي فإن الأمريكي يعمل من خلال التضليل الإعلامي على تصوير الهجمات اليمنية على أنها تمثل خطراً استراتيجياً على حركة الملاحة العالمية وذلك لإقناع الشارع الأمريكي بمشروعية الحرب، ولابتزاز الدول بذريعة حماية الملاحة الدولية. وهذا الأمر تطرقت إليه صحيفة التلغراف في تقرير نشرته نهاية مارس الماضي، حيث نقلت عن مسؤولين أمريكيين إنهم قالوا في محادثة مسربة عبر تطبيق سيجنال: "إن الولايات المتحدة ستطلب أموالًا من حلفائها مقابل العمليات في اليمن"، وأوضحت بأن: "وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أصر على أن أوروبا لن تدفع للولايات المتحدة مقابل عملياتها في البحر الأحمر".
خاتمة:
بعد مرور قرابة شهر على استئناف العمليات الأمريكية ضد اليمن في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة لمسارات الحرب ومدتها الزمنية، وفي ظل عدم تحقيق هذه العمليات لأهدافها، فإن واشنطن قد وضعت نفسها بين خيارات ضيّقة وصعبة، لأن الاستمرار مسار العمليات على هذا النحو لا يعني سوى مزيد من الاستنزاف والفشل في تحقيق الأهداف، وإذا قررت واشنطن اتخاذ خطوات أكثر تصعيداً بما في ذلك إرسال قوات برية فإن التصعيد قد يتوسع ويطال المنطقة بأكملها بما يؤثر على أصول ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وإذا قررت تفعيل أوراق الأدوات المحلية والإقليمية من خلال تفجير الجبهات الداخلية وتقويض اتفاق "خفض التصعيد" فإن النتائج المطلوبة قد تأتي بشكل عكسي، خصوصاً وأن هذه الأدوات قد تم تفعيلها لأكثر من 8 سنوات ومع ذلك فشلت في تحقيق أهدافها.
لتحميل التقرير من هنا
الكاتب: رضوان العمري