جاءت زيارة دونالد ترامب إلى الخليج في إطار محاولته إعادة تشكيل التوازنات في المنطقة ضمن ما سماه "خطة السلام الإقليمي"، حيث ركّز على عقد صفقات اقتصادية كبرى، وقدم مواقف داعمة لحكومات الخليج، بما في ذلك رفع بعض العقوبات. إلا أن المقال الذي نشرته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، يطرح السؤال الأهم: هل تمتلك هذه الدول القدرة الفعلية على التأثير في مسار الصراع في "الشرق الأوسط"، وتحديداً الحرب "الإسرائيلية" على غزة؟ ففي الوقت الذي تتباهى فيه دول الخليج بمشاريعها العملاقة وثرواتها الهائلة، تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، حيث تُمنع المساعدات الأساسية من الدخول وسط حرب مدمّرة، تجاهلها كل من ترامب وقادة الخليج. وبينما تواصل "إسرائيل" عدوانها، انشغل الزوار والمضيفون بالرخاء والمظاهر، وكان لافتاً تركيز ترامب على فخامة القصور والرخام بدلاً من معاناة الشعب الفلسطيني.
النص المترجم:
كانت زيارة دونالد ترامب إلى "الشرق الأوسط" الأسبوع الماضي بمثابة تمرين على إعادة التوازن في العلاقة بين الولايات المتحدة والمنطقة. ففي الرياض، قال للعائلة المالكة السعودية إنه لن تكون هناك "محاضرات بعد الآن حول كيفية العيش". كما رفع العقوبات عن سوريا ليمنحها "بداية جديدة"، وأبدى إعجابه بالجمال والعمارة الفخمة في أحد القصور القطرية "بصفتي رجل بناء هذا رخام مثالي". لم يظهر ترامب في أي وقت مضى أكثر ارتياحاً مما كان عليه وهو محاط بثروات الملوك، وقوة الحُكم المطلق للأنظمة الملكية، والإطراء المبالغ فيه المدروس بعناية. الرجل نفسه الذي أصدر حظر السفر على المسلمين في ولايته الأولى كان يتجوّل في المساجد، ويدعو للاعتراف بالدور الجديد الذي تلعبه دول الخليج كقوى سياسية واقتصادية. فبينما وعد الرئيس السابق جو بايدن خلال حكمه باتخاذ موقف صارم تجاه الحكومة السعودية بسبب دورها في مقتل جمال خاشقجي وفي حرب اليمن، لكنه بدا لاحقاً وكأنه نسي الأمر، أو أدرك أنه لا يستطيع الوفاء بوعده. أما ترامب، فلا يوجد لديه رسائل متناقضة فبوضوح يقول لدول الخليج: "أنتم أغنياء، ونحن بحاجة إليكم. افعلوا ما تريدون". وبالنسبة للدول الخليجية الثلاث التي زارها ترامب، قطر، الإمارات والسعودية؛ فإن اعترافه بمشاريعها الوطنية الضخمة على صعيد التحول الاقتصادي، وموقعها السياسي في السياسة الخارجية، أشبع لديها رغبة عميقة في أن تُرى ويُعترف بها. لا كأثرياء جهلة بحاجة إلى إدارة، بل كصنّاع قرار ونفوذ يتمتعون بذكاء سياسي مستقل. ويظهر أن هناك نمط خاص -لا يزال قيد الصقل- من تشكيل السياسة في المنطقة. فمثلاً تمول الإمارات حرباً مدمرة في السودان من أجل ترسيخ موطئ قدم لها في القارة الإفريقية، وعلى الطرف الآخر، تبرز قطر كعاصمة للتفاوض في العالم. وما هو واضح أن مركز الثقل الجيوسياسي بالنسبة للولايات المتحدة بات يتحوّل بعيداً عن العواصم الأوروبية والتحالفات عبر الأطلسي، نحو منطقة لا تُزعج دونالد ترامب -من وجهة نظره-. لكن هناك فجوة أساسية في زيارة ترامب ظهرت بوضوح. ففي الوقت الذي كثفت فيه "إسرائيل" ضرباتها على غزة، مما يدل على عدم رغبتها في التفاوض على أي وقف إطلاق نار، عندها كان يُستقبل ترامب، وكان هناك موضوع واحد بارز لم يُطرح وهو أنه يقود البلد الذي يزوّد الأسلحة والدعم السياسي لحملة عسكرية تُزعزع استقرار المنطقة. كان هذا الانفصال هو السمة المميزة للزيارة بأكملها. وسط كل الصور التي تصوّر كتلة من القوى الصاعدة، بقي السؤال: ما الذي يمكن استخدام هذه القوة من أجله بالضبط؟ هل هي ببساطة تمنح هذه الدول الحق في تعزيز اقتصادياتها من خلال علاقات تجارية أكثر تفضيلاً مع الولايات المتحدة؟ وهل تمنحها رخصة لمتابعة مغامرات ومشاريع سياسية على أراضيها دون خوف من التوبيخ أو "المواعظ"؟ أم هل هي قوة يمكن استخدامها بشكل فعّال للتأثير على النتائج السياسية وإقناع الولايات المتحدة بتغيير مسارها بشأن "القضية الإسرائيلية" الفلسطينية؟ امتدت الحرب الآن إلى لبنان وسوريا، وتتعرض كل من الأردن ومصر لضغوط شديدة. ولا يزال ترامب يروج لخطة التطهير العرقي التي تهدف إلى "إعادة توطين" سكان غزة، وهذه المرة في ليبيا، وقد تلاشى زخم الأيام الأولى من إدارته لتحقيق وقف إطلاق النار، بينما تكثف "إسرائيل" حملتها لاحتلال المزيد من مناطق غزة. وبينما كانت المشاهد الفخمة تتجلى عبر دول الخليج، وكان ترامب يعلق على جودة الرخام، كانت هناك فكرة لا مفر منها: لم يُسمح بإدخال الطعام أو الماء أو الدواء إلى غزة منذ شهور. فمع أن الأمر بدا وكأن شيئاً تاريخياً وقع، وأن ترامب قد قضى على عفن السياسات الخارجية القديمة في المنطقة، وقدم مبادرات تقلب الموازين والرؤى التي استمرت لعقود، إلا أن كل ذلك قد لا يؤدي إلى شيء حيث الأمور الأكثر أهمية. فإذا لم تكن هذه القوى قادرة على فرض ما يحدث في ساحاتها الخلفية، أو على تحقيق الاستقرار وتحديد مستقبل المنطقة السياسي، أو على تحمل مسؤولية القيادة التي تمكنها من إنقاذ العرب الآخرين من الجوع والتهجير والتسلط، فإن كل ذلك سيكون مجرد مسرحية مع قدر من المكاسب الاقتصادية.
المصدر: The Guardian
الكاتب: Nesrine Malik