يكشف هذا المقال الذي نشره موقع " Modern Diplomacy" وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، أن الكيان المؤقت يستغل العدوان الهمجي على قطاع غزة، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها هناك، لكي يصرف الأنظار عما يحصل في الضفة الغربية المحتلّة من ضم وتغول استيطاني.
tقبل أيام فقط، صادق الكنيست الإسرائيلي على اقتراح ضمن جدول الأعمال يدعو إلى "تطبيق السيادة" على الضفة الغربية. ورغم أن هذا الاقتراح يحمل طابعًا رمزيًا في جوهره، إلا أنه يمهّد الطريق لنقاش أوسع في الهيئة العامة للكنيست أو في لجانه حول ضم الضفة.
النص المترجم:
وسط ضباب الحرب والدمار الشامل في غزة، صعّد الائتلاف الإسرائيلي اليميني المتطرف من جهوده لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل.
قبل أيام فقط، صادق الكنيست الإسرائيلي على اقتراح ضمن جدول الأعمال يدعو إلى "تطبيق السيادة" على الضفة الغربية. ورغم أن هذا الاقتراح يحمل طابعًا رمزيًا في جوهره، إلا أنه يمهّد الطريق لنقاش أوسع في الهيئة العامة للكنيست أو في لجانه حول ضم الضفة.
وقد بادر إلى هذا الاقتراح نواب مثل سمحا روتمان (الصهيونية الدينية)، وهو من مهندسي التحوّل في إسرائيل من دولة علمانية ديمقراطية إلى أوتوقراطية يهودية؛ وأوديد فورير (إسرائيل بيتنا)، وهو صهيوني تصحيحي متشدد؛ وليمور سون هار-مليك (عوتسما يهوديت)، وهي متطرفة يمينية كاهانية مشهورة بعبارتها "اقتلوا العرب"؛ ودان إيلوز (الليكود)، وهو داعم متشدد للنيوليبرالية اليهودية وُلد في كندا.
وقد أُقر الاقتراح بأغلبية 71 صوتًا مقابل 13. وبعد التصويت، قال إيلوز: "الرسالة واضحة لا لبس فيها: يهودا والسامرة ليستا ورقة مساومة. لقد حان وقت السيادة."
تحتل إسرائيل الأراضي الفلسطينية منذ حرب الأيام الستة عام 1967، وهي أطول احتلال عسكري في التاريخ الحديث. وبعد تدمير قطاع غزة ومحاولات تطهيره عرقيًا، يتغيّر الوضع الراهن في الضفة الغربية التي يتم إدماجها تدريجيًا في إسرائيل.
وكما أُظهر في كتابي سقوط إسرائيل، فإن هذا التوسع هو عملية تاريخية. ففي أوائل القرن العشرين، قبل الانتداب البريطاني، كان أكثر من تسعة أعشار سكان فلسطين من العرب. وحتى اليوم، ما يزال 85% من سكان الضفة الغربية عربًا، مقابل 15% فقط من اليهود. وبالتالي، فإن "إسرائيل ذات السيادة" التي يدعمها نتنياهو مبنية على التطهير العرقي، وهو ما يفسر انفجار العنف ضد العرب الفلسطينيين في المنطقة.
من الاحتلال إلى الضم غير القانوني
تعتبر محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، بل ومعظم المجتمع الدولي، إسرائيل قوة احتلال. لكن إسرائيل ترفض هذا التوصيف، بحجة أن الضفة الغربية لا تُعتبر "أرضًا محتلة" حسب القانون الدولي.
في هذا التفسير "الأورويلي" (العبثي)، تعتبر إسرائيل أن الضفة "أرض متنازع عليها" لأن السلطة المحتلة السابقة (الأردن) لم تكن تملك مطالبة دولية معترف بها. وتبعًا لانهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وانتهاء الانتداب البريطاني عام 1948، تدّعي إسرائيل أن لا جهة دولية تملك حقًا قانونيًا أفضل من حقها في الضفة الغربية.
إلا أن القانون الدولي، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، ينص صراحة على أن "القوة المحتلة لا يجوز لها ترحيل أو نقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها."
وقد عكس الرأي العام الدولي هذه الحقائق لعقود. وربما كان أحد دوافع حرب غزة هو أن الأصوات الدولية التي تنتقد سياسات إسرائيل في الضفة بدأت ترتفع حتى قبل 7 تشرين الأول / أكتوبر. ففي كانون الأول / ديسمبر 2022، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا حول الوضع القانوني ونتائج سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما رفع التوتر القانوني حول تعريف الضم.
ناقشت الجمعية العامة احتمالين لتصنيف سيطرة إسرائيل: الضم، والاحتلال غير المشروع. لكن ما الذي يُعتبر ضمًا؟ هل كانت إسرائيل قد ضمت الضفة فعليًا أم أن سيطرتها الطويلة لم تتجاوز بعد عتبة "الضم" الرسمي؟
ربما لهذا السبب تحرك اليمين الإسرائيلي المتطرف بسرعة بعد انتصاره الانتخابي أوائل 2023. فخلق "الوقائع على الأرض" هو تكتيك قديم اعتمده بن غوريون منذ حروب الحدود بين 1949 و1956.
دَفعة سموتريتش ومباركة نتنياهو
أول من أطلق خطة الضم داخل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة كان بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية والدفاع في حكومة نتنياهو. وكغيره من المستوطنين المتطرفين، يعيش سموتريتش في الضفة الغربية المحتلة – وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي.
كزعيم لحزب الصهيونية الدينية، جرّ الحزب المعتدل سابقًا نحو التطرف المسياني وأفكار تفوّق اليهود. وسموتريتش، الذي يصف نفسه بـ"الفاشي" و"العنصري"، يدعم توسيع الاستيطان ويرفض قيام دولة فلسطينية – وكل ذلك بدعم من المساعدات العسكرية الأمريكية وأموال الجماعات اليهودية الأمريكية اليمينية المتطرفة.
في خريف 2017، ظهر سموتريتش إلى جانب السفير الأمريكي في عهد ترامب، ديفيد فريدمان، وهو صهيوني تصحيحي متطرف، في صورة ترمز للتقاطع بين التيارين.
حين أدخله نتنياهو إلى حكومته وأسند إليه حقائب حيوية، سمح للثعلب بدخول حظيرة الدجاج. بصفته وزيرًا يملك صلاحيات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قاد سموتريتش جهود الضم تدريجيًا: أولًا بفرض الأمر الواقع، ثم عبر تحويله إلى قانون.
في عام 2020، كانت إدارة ترامب مستعدة للسماح لإسرائيل بضم 85% من الضفة وترك 15% فقط للفلسطينيين. لكن هذا لم يرضِ اليمين المسياني الإسرائيلي الذي طالب بـ"السيادة الكاملة".
رغم أن القانون الدولي يحظر الضم بشكل قاطع، فإن غياب تعريف دقيق له يجعل من الصعب حسم ما يُعد ضمًا. ومع ذلك، فإن أي إعلان رسمي من الدولة الضامة يكفي لإثبات ذلك قانونيًا.
من الضم الفعلي إلى الضم القانوني
عندما طرح سموتريتش خطته في شباط / فبراير 2023، حذّر بعض القانونيين الإسرائيليين من أن نقل الصلاحيات من الجيش يُعد ضمًا قانونيًا. لأن الضم الفعلي (de facto) قد يتحول تدريجيًا إلى ضم قانوني (de jure) دون إعلان رسمي، فقط بمجرد تغيير الواقع.
لكن لأن الإعلان الرسمي كان سيؤدي إلى رد فعل دولي عنيف، وربما حتى من واشنطن، اختار اليمين المسياني استخدام أدوات "الديمقراطية الإسرائيلية" لتقويض الوضع الراهن. وقد ساعد ضباب الحرب في غزة على التغطية على التعيينات الجديدة لسموتريتش التي تهدف إلى دمج الضفة داخل "إسرائيل ما قبل 1967".
رغم إعلان إدارة بايدن معارضتها لسياسات الضم، فإنها تجاهلت قرارات سموتريتش الإدارية باعتبارها "شؤونًا داخلية إسرائيلية". ومع انشغالها بعام الانتخابات وتبعات حرب غزة، اختارت إدارة بايدن أن تغض الطرف. لم تكن الضفة أولوية لها.
أما في إدارة ترامب، فإن الضفة الغربية والقضية الفلسطينية يُنظر إليهما على أنهما هامشيتان. وداخل فريق ترامب، يرى البعض في تدمير غزة وضم الضفة أمرًا واقعًا، ويراه آخرون "هداية إلهية"، لكن الجميع يستفيد من دعم اللوبي الإسرائيلي.
تمويل يميني متطرف أمريكي
كانت الشؤون المدنية في الضفة تُدار سابقًا من قِبل "الإدارة المدنية" التابعة للجيش. ولم يكن لحزب الصهيونية الدينية الموالي للمستوطنين نفوذ مباشر على تلك الإدارة. لكنهم وجدوا ثغرة.
في نيسان / أبريل 2024، عيّن سموتريتش حليفه الأيديولوجي "هيلل روث" نائبًا في الإدارة المدنية، مسؤولًا عن تطبيق قوانين البناء في المستوطنات والبؤر الاستيطانية.
روث تلقى تعليمه في معهد ديني متطرف في مستوطنة يتسهار، المعروفة بكونها قاعدة انطلاق لهجمات انتقامية ضد الفلسطينيين. بعد ذلك، أصبح مسؤولًا في منظمة "حنينو" المعروفة بتقديم الدعم القانوني للمستوطنين المتورطين في جرائم عنصرية ضد العرب، مثل إيتمار بن غفير.
نصف تمويل "حنينو" يأتي من الولايات المتحدة، من مؤسسات مثل "الصندوق المركزي لإسرائيل" ومجموعات استيطانية عنيفة تموّل من شركة نسيج تديرها عائلة ماركوس في مانهاتن.
كيف خضعت قيادة الجيش لسموتريتش والمستوطنين
في أيار / مايو 2024، وقع رئيس القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي، اللواء يهودا فوكس، أمرًا يسمح لرئيس الإدارة المدنية بتفويض صلاحياته لنائب جديد. وبهذا التعديل الإداري، تولّى روث المهام بدلًا من فوكس.
بهذه الخطوة المثيرة للجدل، نُقلت فعليًا مسؤولية إدارة الضفة من السلطة المدنية العسكرية إلى إدارة مدنية بقيادة سموتريتش داخل وزارة الدفاع. وصرّح سموتريتش في اجتماع خاص بالمستوطنين أن "إنشاء جهاز مدني مستقل سيكون أسهل تقبّلاً على الصعيد الدولي. حتى لا يُقال إننا نُجري ضمًا هنا."
وكان ذلك نوعًا من الانتقام أيضًا. ففي شباط / فبراير 2023، تعرّضت بلدة حوارة الفلسطينية لهجوم من مئات المستوطنين الذين أحرقوا البيوت والمحال، ما أدى لمقتل فلسطيني وإصابة نحو 100. فوصف فوكس الهجوم بأنه "مجزرة على يد خارجين عن القانون" – مستخدمًا مصطلح "بروغرام" الذي يُشير تاريخيًا إلى الهجمات على اليهود في أوروبا الشرقية.
بعد ذلك، تم استهداف فوكس للاغتيال من قبل المستوطنين المتطرفين، بحسب جهاز الشاباك.
بهذا النظام الجديد، أصبح روث قادرًا على تسريع الموافقات الاستيطانية ومنع تنفيذ القوانين ضد البناء غير القانوني. ما يمنح سموتريتش وروث والمستوطنين اليد العليا لتعميق الاستيطان داخل الضفة.
الآن، بات الخارجون عن القانون هم من يتحكمون بالضفة – التي "تم تهويدها" منذ سنوات.
الضفة وغزة: يهودا والسامرة وعزة
التحول من الاحتلال إلى الضم يتم حاليًا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي يواصل التجاهل. لكن الأهم من ذلك هو التحول البنيوي العميق الذي يحصل.
من منظور اليمين المسياني، فإن هناك رابطًا بين "قانون الدولة القومية" لعام 2018 الذي قوّض الطابع الديمقراطي للدولة، ومحاولات "الإصلاح القضائي" التي خرج مئات الآلاف للاحتجاج ضدها منذ 2023، وحرب غزة، والتغييرات الإدارية في الضفة منذ 2024.
كل هذه التغييرات تتشارك في هدف واحد: استغلال اللحظة التاريخية لضم الضفة وغزة – أو كما تسميها حكومة نتنياهو: يهودا والسامرة، وعزة.
فلماذا الحديث عن "حل الدولتين" إذا كان بالإمكان تطهير المناطق المحتلة عرقيًا، وضم الضفة إلى إسرائيل بشكل فعلي؟
هذه هي "رؤية" اليمين المسياني الإسرائيلي: ترحيل العدو أو القضاء عليه. القضاء على المشكلة من جذورها.
الكاتب: غرفة التحرير