أثارت سياسات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب الجدل نتيجة التناقضات بين التصريحات والسلوك على أرض الواقع، وتحديدًا حيال قطاع غزة الذي تجدّد فيه العدوان الإسرائيلي بدعم أميركي غير مشروط، لذا كان لا بد من رصد وتحليل التقنيات التي استخدمها ترامب مع حماس لمعرفة نواياه الحقيقية تجاه غزة، والمنطقة عمومًا. وفي هذا البحث، محاولة لتفسير سياسة ترامب الحالية واستشراف رؤيته المستقبلية للمنطقة. وخلص البحث إلى نتيجة مفادها أن نمط التفاوض الذي تعمده الإدارة الأميركية الحالية يتّسم بالمراوغة والتهديد بالقوّة العسكريّة، واستخدام النفوذ، لذا يمكن القول إن التوجّه الأميركي الإسرائيلي الحالي هو الحرب الشاملة.
لطالما كانت حدود القوّة العسكرية موضع نقاش تاريخيًا، ذلك أنها من الأدوات الرئيسة التي تستخدمها الدول أو الكيانات لتحقيق أهدافها الاستراتيجيّة، وهي مقرونةٌ بعمليات التفاوض التي تنطلق عادةً في موازاة العمليات العسكرية لتحقيق المكاسب والأهداف السياسية. إلا أن الجدل ظل قائمًا حول ما إذا كان الطرف الأقوى عسكريًا هو من يفرض شروطه دائمًا.
على مرّ السنين، شنّت الإمبرياليّة العالميّة حروبًا ضد شعوب العالم التي كانت ذات إمكانيات محدودة، على مبدأ "استخدام القوّة يصنع الحق"، إلا أن التجربة أثبتت أن النجاح المرحلي في استخدام القوّة المفرطة ينحسر مع الزمن، ويُحبط تدريجيًا في المدى الاستراتيجي، على سبيل المثال، خلال القرن التاسع عشر والعشرين، شنّت الولايات المتحدة حروبًا عسكريةً ضد أميركا اللاتينيّة تحت شعار "حماية المصالح الأمريكية" و"نشر الديمقراطية". وفي عام 1830، غزت فرنسا الجزائر بحجة نشر الحضارة الفرنسية والثقافة الأوروبيّة، حين كانت القوات الفرنسية تُعِد نفسها لتكون "المُنقذ" للجزائر.
والنتيجة كانت نجاح استراتيجيّات الإمبرياليّة في تحقيق أهداف قصيرة المدى، مثل السيطرة على الأراضي، واستغلال الموارد، وتعزيز النفوذ السياسي. لكن النتائج على المدى الطويل كانت مختلفة، فقد تسبّبت هذه الاستراتيجيات في خلق مقاومة محليّة، مثلًا، فشلت فرنسا بتحقيق احتلال دائم للجزائر، نتيجة مقاومة الشعب الجزائري التي استمرت طوال الفترة الاستعمارية، وأدت إلى حرب الاستقلال الجزائرية التي انتهت في 1962. وكذلك الحال في الدول اللاتينية حيث قادت مقاومة الشعوب ضد الإمبرياليّة إلى تحقيق الاستقلال السياسي، وأسفرت عن انتصارات ثورية ضد الأنظمة المدعومة من القوى الإمبرياليّة.
يقودنا ذلك إلى القضيّة الفلسطينيّة ومآلات استخدام القوّة المفرطة، ففي عام 1948 أعلن عن قيام "دولة إسرائيل" أو ما يُعرف بالنكبة التي قامت على جثامين الشهداء الفلسطينيين وتهجير مئات الآلاف، ثم قاد اضطهاد الشعب الفلسطيني إلى بزوغ حركات المقاومة وكان أبرزها الجهاد الإسلامي الذي تأسس عام 1981، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس (التي تأسّست عام 1987. لم تقتصر مفاعيل العمل المقاوم على نطاق غزة، إنما امتدت إلى كافة الأراضي المحتلة، لتدحض بذلك المقولة الشهيرة لرئيسة وزراء الكيان السابقة غولدا مائير: "الكبار يموتون والصغار ينسون". في الواقع، أدّى الاضطراب الأمني الذي فرضته المقاومة إلى عرقلة مشروع الاحتلال وتأخيره بالحد الأدنى، وفي المدى البعيد التأسيس لإيجاد مشروع تحرّري يتقاطع مع مختلف حركات المقاومة في المنطقة، وصولًا إلى عملية طوفان الأقصى، وإن كنا لسنا بصدد الخوض بتقييم هذه التجربة، لكن الأكيد أنها ولدت بلحظة تاريخيّة حوصر فيها الشعب الفلسطيني أمام مخطط تهويد القدس وانطلاق قطار التطبيع دون هوادة، في خطوات تؤكد أن قرار إنهاء القضية الفلسطينية قد اتُخذ. وفي هذا البحث، سيتم رصد وتحليل تقنيات التفاوض التي استخدمها الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس (لإنهاء الحرب في غزة بتاريخ 19 كانون الثاني 2025، ثم استكمال العدوان بعد عرقلة مسار التفاوض في 18 آذار 2025، بهدف فهم حيثيّات هذه التقنيات وحقيقة السياسة الأميركية تجاه غزة والمنطقة خلال حكم الإدارة الحالية.
لتحميل الدراسة من هنا
الكاتب: زينب فرحات