في سياق التصعيد العسكري الإسرائيلي المتواصل في قطاع غزة، والذي يستمر منذ أكثر من 670 يوماً، وسط صمت دولي مقلق. سلط المقال الذي نشرته صحيفة "ذا غارديان" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني الضوء على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها "إسرائيل"، بدءاً من تدمير المدن والمنازل وصولاً إلى فرض حصار جائر يترك الفلسطينيين في ظروف إنسانية كارثية. كما يشير إلى أن هذا التصعيد يتزامن مع انتهاك الكيان لأحكام محكمة العدل الدولية التي حذرت من خطر الإبادة الجماعية، ويكشف عن النوايا الحقيقية للاحتلال في تفريغ غزة من سكانها الفلسطينيين ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى". ويؤكد المقال أن الصمت والتواطؤ الدولي، خاصة من الدول الغربية، يعزز من استمرار هذه الجرائم، مطالباً باتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لوقف العدوان وتحميل "إسرائيل" مسؤولية جرائمها أمام المحاكم الدولية، قبل أن تتحول غزة إلى رماد بالكامل.
النص المترجم:
من الصعب وصف الألم الذي يشعر به الإنسان وهو يشاهد شعبه يُدمَّر لأكثر من 670 يوماً. ومن الأصعب تصور تصعيد إسرائيلي جديد، بعد أن شهدنا الكثير من المعاناة والجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. كيف يُسمح بحدوث ذلك أمام أنظار العالم طوال هذه المدة؟ هل سيقف العالم مكتوف الأيدي؟
أعلن مجلس الأمن الإسرائيلي هذا التصعيد عندما أقر خطة لـ "الاحتلال الكامل" لقطاع غزة وشن هجمات على التجمعات السكانية، بدءاً بمدينة غزة نفسها. العواقب المترتبة على هذه الهجمة العسكرية الجديدة يمكن توقعها بسهولة. ففي مايو 2024، شنّت "إسرائيل" هجوماً على رفح رغم التحذيرات الدولية وتحديها لأمر صادر عن محكمة العدل الدولية ورفح لم تعد موجودة الآن. في نوفمبر وديسمبر 2024، هاجمت "إسرائيل" مدن بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا الشمالية ودمرتها في حملة وصفها وزير الدفاع السابق موشيه يعالون بأنها "تطهير عرقي". وفي الآونة الأخيرة، انتهكت "إسرائيل" بشكل أحادي اتفاق وقف إطلاق النار، وفرضت حصار جوع على مليوني ناجٍ ودمرت مدينة خان يونس الجنوبية.
جميع هذه الأفعال تنتهك الأحكام الثلاثة الصادرة عن محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية في يناير ومارس ومايو 2024. فقد حددت المحكمة في يناير 2024 خطر وقوع إبادة جماعية، ووضعت تدابير كان على "إسرائيل" اتباعها لمنع ارتكاب هذه الجريمة، بما في ذلك توفير المساعدات الإنسانية بلا قيود. وبحسب كل المعطيات، فإن "إسرائيل" لم تلتزم بهذه التدابير. والهجوم على مدينة غزة سيكون المرحلة الأخيرة من حملة "إسرائيل" الإبادة الجماعية في غزة.
فور وقوع أحداث 7 أكتوبر، أعلن القادة والسياسيون والقادة العسكريون والجنود الإسرائيليون مراراً نيتهم تدمير وحرق وتسوية غزة بالأرض، وقد نفذوا ذلك فعلياً: فقد دمرت "إسرائيل" نحو 90% من قطاع غزة، وحولته إلى أرض قاحلة، وحصرت السكان في 12% فقط من الأراضي، مما دفعهم إلى أوضاع إنسانية كارثية لا تصلح للبقاء البشري. من خلال حصارها وقصفها للقطاع، لم تترك "إسرائيل" أي مكان آمن للمدنيين ولا مخرجاً من غزة. إن شن هجوم على التجمعات السكانية المتبقية في مدينة غزة أو دير البلح أو المواصي سيعني مزيداً من المجازر، وتهجيراً جماعياً، وفرض أوضاع مروعة على السكان المتبقين اليائسين والجائعين ستؤدي إلى تدميرهم الجسدي.
ما هو الهدف النهائي ل "إسرائيل"؟ تقول "إسرائيل" إن احتلال غزة سيكون "مؤقتاً". لكننا الآن مألوفون بالكلام الأوروولياني الذي يخفي الواقع والنوايا الحقيقية. نعلم أنه في عام 1967، بدأت "إسرائيل" احتلالاً "مؤقتاً" للأراضي الفلسطينية والسورية، لكنه أصبح دائماً. لهذا السبب أعلنت محكمة العدل الدولية في يوليو 2024 أن احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية وغزة غير قانوني وينتهك قواعد أساسية في القانون الدولي، بما في ذلك حظر الاستحواذ على الأراضي بالقوة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحظر الفصل العنصري أو التمييز العنصري.
وفقاً لمحكمة العدل الدولية، كانت "إسرائيل" قد احتلت غزة حتى قبل 7 أكتوبر 2023، وبالتالي حرمت الفلسطينيين من الحرية في وطنهم. وهذا يعني أن نية "الاحتلال الكامل" لغزة في أغسطس 2025 لا يمكن أن تكون إلا تعبيراً مبهماً عن شيء آخر في سياق هذه الإبادة الجماعية.
هذا يعني أن "إسرائيل" تسعى إلى تحقيق الفانتازيا الميشيانية والمشروع الإجرامي لـ "إسرائيل الكبرى"، بهدف "أقصى قدر من الأرض، وأدنى عدد من العرب". ويتجلى هذا الهدف بوضوح في عمليات التهجير القسري المستمرة في الضفة الغربية والدعوات إلى "إعادة توطين" غزة.
بنيامين نتنياهو لا يسعى لتحرير غزة من حماس، بل يسعى لتفريغ غزة من سكانها الفلسطينيين. وقالت الأمم المتحدة في أوائل يناير 2024 إن غزة أصبحت غير صالحة للسكن. وفي أوائل نوفمبر 2024، قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يوآف جالانت، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، إنه لا يوجد ما تبقى للجيش أن يفعله في غزة. إذا كان الأمر كذلك، فما الذي تفعله القوات الإسرائيلية في غزة منذ ذلك الحين؟
نوايا "إسرائيل" واضحة. في يناير 2024، ضاعف نتنياهو، الهارب الآخر من العدالة الدولية، موقفه الرافض منذ زمن طويل لقيام دولة فلسطينية، وقد أيدت الأغلبية الساحقة في الكنيست موقفه في يوليو 2024. في أبريل 2024، وجهت الأمم المتحدة انتقادات لإسرائيل بسبب توسيعها "المناطق العازلة" في غزة، لأن ذلك يعني الإبعاد الدائم للسكان.
في مايو 2025، حسب تقرير صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، قال نتنياهو إن "إسرائيل" تدمر المنازل في غزة حتى لا يجد الفلسطينيون مكاناً يعودون إليه ويُجبروا على مغادرة وطنهم. في يوليو 2025، أعلن وزير الدفاع الحالي، إسرائيل كاتس، خطة لخرائب رفح وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بأنها تشبه "معسكر اعتقال". في الأشهر الأخيرة، كان النشاط الرئيسي ل "إسرائيل" في غزة هو الهدم المنهجي للمباني بواسطة مقاولين مدنيين يتقاضون أجوراً مرتفعة.
في ضوء ذلك، يمكنك فهم المعنى الحقيقي لقول نتنياهو إن "غزة" (وليس حماس) "لن تكون تهديداً"، ولماذا قررت الحكومة مؤخراً رفض دور للسلطة الفلسطينية التي يسيطر عليها فتح في غزة. الأمر لا يتعلق بحماس، ولا بالأهداف العسكرية، ولا بالرهائن الذين عمل نتنياهو بشكل منهجي على إفشال إطلاق سراحهم. بل هي حملة إبادة جماعية تستمر في إنكار حرية الفلسطينيين وتسعى لفرض التفوق اليهودي من النهر إلى البحر.
بينما تعد "إسرائيل" بمزيد من التصعيد، فإنها تحقق وعد وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، المروع في أبريل 2024 بـ "الإبادة الكاملة". على مدى عقود، فشل الغرب في اختبار حقوق الإنسان والقانون الدولي، مع تصاعد وحشية الاحتلال الإسرائيلي وترسيخ نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني. لن تتمكن الدول الغربية مثل المملكة المتحدة من غسل يديها من التواطؤ في فظائع إسرائيل الجماعية خلال العامين الماضيين. فمن خلال منح "إسرائيل" حصانة من المساءلة وتسليح هذه الدولة الخارج عن القانون، مكّن الغرب هذه الفظائع. التصريحات الأخيرة حول الاعتراف بدولة فلسطينية هي مجرد حيلة دعائية وتشتيت للانتباه تخفي هذه الحصانة لكنها تبرز غياب العمل الفعلي.
الأمر أصبح أكثر من عاجل، ومن الناحية القانونية والأخلاقية، يتوجب على جميع الدول اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لوقف "إسرائيل"، بما في ذلك فرض العقوبات، وحظر بيع الأسلحة، وتعليق العلاقات التجارية والدبلوماسية، ودعم المحاكم الدولية لإحضار مجرمي "إسرائيل" إلى العدالة. ما لم يتم اتخاذ هذه الإجراءات، فإن غزة كما قال سموتريتش بشكل مروع في مايو 2025 "ستُدمر". هل سيستمر العالم في الوقوف مكتوف الأيدي ومشاهدة إبادة جماعية تتكشف أمام أعينه؟
المصدر: The Guardian
الكاتب: Nimer Sultany